الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك **
أفرج عن الأمير بيغرا وعن الأمير قراجا والأمير أولاجا من سجن الإسكندرية وتوجهوا إلى دمشق. ثم رسم لبيغرا بالإقامة بالقاهرة وأنعم عليه بتقدمة ألف. وفيه رسم أن تكون نفقة المماليك والأوجاقية والأيتام بين يدي الطواشي المقدم فوفر منهم وفيه أنعم على الأمير طرنطاي البشمقدار بإقطاع الأمير علم الدين سنجر الجاولي بعد موته. وفيه أنعم بإقطاع طرنطاي على الأمير بيبغا ططر نائب غزة ورسم بحضوره. وفيه خلع على الأمير علم الدين أيدمر الزراق واستقر في نيابة غزة وأنعم بإقطاعه على ابن بكتمر الساقي. وفيه أنعم بإقطاع الأمير ألطنقش بعد موته على أرغون الصغير صهر أرغون العلائي. وفيه توجه ركب الحاج على العادة صحبة الأمير طيبغا المجدي. وفي مستهل ذي القعدة: قدمت خوند بنت الأمير طقزدمر نائب الشام وزوجة السلطان الصالح إسماعيل فدخل عليها. وفي يوم الإثنين حادي عشريه: عزل الضياء أبو المحاسن يوسف بن أبي بكر بن محمد ابن خطيب بيت الآبار الشامي من نظر المارستان المنصوري واستقر عوضه علاء الدين بن الأطروش. وفي يوم السابع من ذي الحجة: انفرد العلم بن سهلول بوظيفة نظر الدولة بعد ما التزم بحمل ألف دينار لبيت المال. وفيه عزل موسي بن التاج إسحاق لتوقف حال الدولة وكثرة تقلقه وكراهة الناس له لظلمه وتغييره قواعد كثيرة. وفيه قدم كتاب التاج محمد بن محمد بن عبد المنعم البارنباي موقع طرابلس بحدوث سيل عظيم لم يعهد مثله فيما تقدم. وفيها كثر سقوط الثلج بدمشق حتى خرج عن العادة وأنفقوا على شيله من الأسطحة ما ينيف على ثمانين ألف درهم فإنه أقام يسقط أسبوعين. وفيها زاد عاصفة حتى خرب عدة بيوت وفيها تواتر سقوط البرد بأرض مصر مع ريح سوداء وشعث عظيم وبرق ورعد سهول. ثم أعقب ذلك عالم شديدة الحر بحيث تطاير منها شرر أحرق رءوس الأشجار وزريعة الباذنجان وبعض الكتان حتى اشتد خوف الناس وضجوا إلى الله تعالى. وجاء مطر غزير ثم برد فيه يبس لم يعهد مثله فكانت أراضي النواحي تصبح بيضاء من كثرة الجليد وهلك من شدة البرد جماعة من بلاد الصعيد وغيرها. وأمطرت السماء خمسة أيام متوالية حتى ارتفع الماء في مزارع القصب قدر ذراع وعم ذلك أرض مصر قبليها وبحريها ففسدت بالريح والمطر مواضع كثيرة وقلت أسماك بحيرة نستراوة وبحيرة دمياط والخلجان وبركة الفيل وغيرها لموتها من البرد. فتلفت في هذه السنة بعامة أرض مصر وجميع بلاد الشام بالأمطار والثلوج والبرد وهبوب السمائم وشدة البرد من الزروع والأشجار والبائهم والأنعام والدور ما لا يدخل تحت حصر مع ما ابتلي به أهل الشام من تجريد عساكرها وتسخير أهل الضياع وتسلط العربان والعشير وقلة حرمة السلطنة مصراً وشاماً وقطع الأرزاق وظلم الرعية. وبلغت زيادة النيل في هذه السنة ثمانية عشر ذراعاً وسبعة عشر إصبعاً. وفيه قدم سيف الدين بلطوا مبشراً بسلامة الحجاج في خامس عشرى ذي الحجة. ومات فيها من الأعيان إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي في شعبان ببرشانة من الأندلس قدم القاهرة وأخذ عن جماعة وولي ببلده قضاء عدة مواضع. وتوفي قاضي القضاة الحنفية بدمشق جلال الدين أحمد بن الحمام أبي الفضائل الحسن بن أحمد بن الحسن بن أنوشروان الرازي عن بضع وسبعين سنة بدمشق. ومات الأمير بدر الدين بكتاش نقيب الجيش في يوم الخميس سابع عشرى جمادى الآخرة وكان مشكوراً. ومات الأمير علم الدين سنجر الجاولي الفقيه الشافعي في يوم الخميس ثامن رمضان ودفن بمدرسته فوق جبل الكبش أصله من مماليك جاول أحد أمراء السلطان الظاهر بيبرس ثم انتقل بعده إلى بيت السلطان المنصور قلاوون. وأخرج في أيام الأشرف خليل إلى الكرك فاستقر في بحريتها. وقدم في أيام السلطان العادل كتبغا إلى مصر بحال زري فسلمه كتبغا إلى مملوكه بتخاص ليكون نائبه بالحوائج خاناه وتنقل حتى قدمه الأمير سلار وقربه ثم ولي نيابة غزة وصار من أكبر أمراء مصر. وله مدرسة على جبل الكبش بجوار جامع ابن طولون وجامع بقرية الخليل عليه السلام وجامع بغزة ومارستان وخان ببيان وخان بقاقون وله مصنفات وفضائل كثيرة. ومات الأمير طقصبا الظاهري وقد أناف على مائة وعشرين سنة. ومات الأمير ألطنقش أستادار السلطان الناصر محمد وهو من مماليك الأفرم. فلما توجه الأفرم إلى بلاد التتار قدم هو إلى القاهرة فقبض عليه وسجن ثم أفرج عنه وأنعم عليه بإمرية طبلخاناه. ثم عمل أستاداراً صغيراً مع أستادارية آنوك ابن السلطان الناصر محمد. ومات الأمير أرغون عبد الله. ومات الأمير صلاح الدين يوسف بن أسعد الدوادار الناصري بطرابلس ولي نيابة الإسكندريه وكشفت الجيزة ثم دوادارية السلطان الناصر محمد وكان كاتباً شاعراً ضابطاً. ومات الأمير سنجر الجقدار أحد المماليك المنصورية وقد أسن. ومات الأمير طرنطاي المحمدي بدمشق وهو أحد المماليك المنصورية قلاوون ومن جملة من وافق على قتل الأشرف خليل. وسجن سبعاً وعشرين سنة ثم أخرج إلى طرابلس أمير عشرة ثم نقل إلى دمشق. ومات الأمير بكتمر العلائي أحد المنصورية أيضاً بعدما ولي أستاداراً ونائب حمص ونائب غزة ثم نائب حمص وبها مات. ومات الأمير كندغدي الزراق المنصوري بحلب وهو رأس الميسرة ومقدم العساكر المجردة إلى سيس. ومات الأمير بلبان الشمسي أحد المنصورية بحلب. ومات فتح الدين صدقة الشرابيني عن مال ومعروف كثير في يوم الأحد ثاني شوال. ومات جمال الكفاة إبراهيم مشير الدولة وناظر الخاص والجيش تحت العقوبة في ليلة الأحد سادس ربيع الأول. وكان أولاً يباشر في بعض البساتين على بيع ثمرته وتنقل في خدمة ابن هلال الدولة. ثم خدم بيدمر البدري وهو خاصكي خبزه في محلة منوف يكتب على باب إلى أن تأمر فباشر عنده ثم قرره السلطان الملك الناصر محمد في الاستيفاء ثم أقامه في ديوان الأمير بشتاك بعد موت المهذب إلى أن قتل النشو فولاه نظر الخاص بعده. ثم أضاف إليه السلطان الناصر محمد نظر الجيش عوضاً عن المكين إبراهيم فنهض بهما. ولاحظته السعود حتى انتقضت أيامه فزال سعده وعوقب حتى هلك. وكان يتحدث بالتركي والنوبي والتكروري وله مكارم كثيرة. ومات خالد بن الزراد المقدم في يوم الجمعة ثامن عشرى جمادى الآخرة تحت العقوبة وكان ظالماً. وتوفي شمس الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن نجدة بن حمدان المعروف بابن النقيب الشافعي قاضي القضاة بحلب وهو معزول بدمشق عن نيف وثمانين سنة. وتوفي الشيخ أثر الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن حيان الأندلسي إمام وقته في النحو والقراءات والآداب في ثامن عشرى صفر. وفيه توجه طلب الأمير أرغون الكاملي إلى حلب. وفيه قدم طلب الأمير أرقطاي مع ولده. وفي يوم الخميس مستهل شعبان: خرج الأمير قبلاي الحاجب بمضافيه من الطبلخاناه والعشرات إلى غزة لأحد شيوخ العشير. وفي هذا الشهر: غير الوزير ولاة الوجه القبلي وكتب بطلبهم وعزل مازان من الغربية بابن وفيه أضيف كشف الجسور إلى ولاة الأقاليم. وفيه أعيد فأر السقوف إلى ضماد جهات القاهرة ومصر بأجمعها وكان قد سجن في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون وكتب على قيده مخلد بعد ما صودر وضرب بالمقارع لقبح سيرته. فلم يزل مسجوناً إلى أن أفرج عن المحابيس في أيام الصالح إسماعيل فأفرج عنه في جملتهم وانقطع إلى أن اتصل بالوزير منجك واستماله فسلمه الجهات بأسرها وخلع عليه ومنع مقدمي الدولة من مشاركته في التكلم في الجهات ونودي له في القاهرة ومصر فزاد في المعاملات ثلاثمائة ألف درهم في السنة. وفيه قدم الأمير قبلاي غزة فاحتال على أدي حتى قدم عليه فأكرمه وأنزله ثم رده بزوادة إلى أهله فاطمأنت العشرات والعربان لذلك وبقوا على ذلك إلى أن أهل رمضان. حضر أدي في بني عمه لتهنئة قبلاي بشهر الصوم فساعة وصوله إليه قبض عليه وعلى بني عمه الأربعة وقيدهم وسجنهم وكتب إلى علي بن سنجر. بأني قد قبضت على عدوك ليكون لي عندك يد بيضاء فسر سنجر بذلك وركب إلى قبلاي فتلقاه وأكرمه فضمن له سنجر درك البلاد. ورحل قبلاي من غده ومعه أدي وبنو عمه يريد القاهرة فقدم في يوم الإثنين حادي عشره فضربوا على باب القلة بالمقارع ضرباً مبرحاً وألزم أدي بألف جمل ومائتي ألف درهم فبعث إلى قومه بإحضارها فلما أخذت سمر هو وبنو عمه في يوم الإثنين خامس عشريه وقت العصر وسيروا إلى غزة صحبة جماعة من أجناد الحلقة فوسطوا بها. فثار أخو أدي وقصد كبس غزة فخرج إليه الأمير دلنجي ولقيه على ميل من غزة وحاربه ثلاثة أيام وقتله في اليوم الرابع بسهم أصابه وبعث دلنجي بذلك إلى الفاهرة فكتب بخروج نائب صفد ونائب الكرك لنجدته. وفي مستهل شوال: توجه السلطان إلى الأهرام على العادة. وفيه كثر الإنكار على الوزير منجك فإنه أبطل سماط العيد واحتج بأنه يقوم بجملة كبيرة تبلغ خمسين ألف درهم وتنهبه الغلمان وكان أيضاً قد أبطل سماط شهر رمضان. وفي هذا الشهر: فرغت القيسارية التي أنشأها تاج الدين المناوي بجوار الجامع الطولوني من مال وقفه وتشتمل على ثلاثين حانوتاً. وفيه خرج ركب الحاج على العادة صحبة الأمير فارس الدين ومعه عدة من مماليك الأمراء. وحمل الأمير فارس الدين معه مالاً من بيت المال ومن مودع الحكم لعمارة عين جوبا بمكة ومبلغ عشرة ألاف درهم للعرب بسبب العين المذكورة ورسم أن تكون مقررة لهم في كل سنة. وخرج معه حاج كثير جداً وحمل الأمراء من الغلال في البحر إلى مكة عدة ألاف أردب. وفي مستهل ذي القعدة: قدم كتاب الأمير دلنجي نائب غزة بتفرق العربان ونزول أكثرهم بالشرقية والغربية من أرض مصر لربط إبلهم على البرسيم. فكبست البلاد عليهم وقبض على ثلاثمائة رجل وأخذ لهم ثلاثة ألاف جمل. ووجد عندهم كثير من ثياب الأجناد وسلاحهم وحوائصهم فاستعمل الرجال في العمائر حتى هلك أكثرهم. وفي نصفه: خرج الأمراء لكشف الجسور فتوجه الأمير أرنان للوجه القبلي وتوجه أمير أحمد قريب السلطان للغربية وتوجه الأمير أقجبا للمنوفية وتوجه أراي أمير أخور للشرقية وتوجه أحد أمراء العشرات لأشمون. وفيه توقف حال الدولة فكثر الكلام من الأمراء والمماليك السلطانية والمعاملين والخوشكاشية وفيه طلب الأمير مغلطاي أمير أخور زيادة على إقطاعه فكشف عن بلاد الخاص فدل ديوان الجيش على أنه لم يتأخر منها سوى الإسكندرية ودمياط وقوة وفارس كور وخرج باقيها للأمراء وخرج أيضاً من الجيزة ما كان لديوان الخاص للأمراء. وشكا الوزير من كثرة الكلف والإنعامات وأن الحوائج خاناه في الأيام الناصرية محمد ابن قلاوون مرتبها في كل يوم ثلاثة عشر ألف درهم وهو اليوم اثنان وعشرون ألف درهم. فرسم بكتابة أوراق بمتحصل الدولة ومصروفها فبلغ المتحصل في السنة عشرة ألاف ألف درهم والمصروف بديوان الوزارة وديوان الخاص أربعة عشر ألف ألف درهم وستمائة ألف درهم وأن الذي خرج من بلاد الجيزة على سبيل الإنعام زيادة على إقطاعات الأمراء نحو ستين ألف دينار. فتغاضى الأمراء عند سماع ذلك إلا مغلطاي أمير آخور فإنه غضب وقال: من يحاقق الدواوين على قولهم. وفيه قدم طلب الأمير قطليجا الحموي من حلب فوضع الوزير منجك يده عليه وتصرف بحكم أنه وصي. وفيه قدم الأمير عز الدين أزدمر الزراق من حلب باستدعائه بعد ما أقام بها مدة سنة من جملة أمراء الألوف فأجلس مع الأمراء الكبار في الخدمة. وفيه أخرج ابن طقزدمر إلى حلب لكثرة فساده وسوء تصرفه. وفيه خرج الأمير طاز لسرحة البحيرة وأنعم عليه من مال الإسكندرية بألفي دينار. وخرج الأمير صرغتمش أيضاً فأنعم عليه منها بألف دينار. ثم توجه الأمير بيبغا روس النائب للسرحة وأنعم عليه بثلاثة ألاف دينار. وتوجه الأمير شيخو أيضاً ورسم له بثلاثة ألاف دينار. وفيه أنعم على الأمير مغلطاي أمير أخور إرضاء لخاطره بناحية صهرجت زيادة على إقطاعه وعبرتها عشرون ألف دينار في السنة. فدخل الأمير شيخو في سرحته إلى الإسكندرية فتلقته الغزاة بآلات السلاح ورموا بالجرخ بين يديه ونصبوا المنجنيق ورموا به. ثم شكوا له ما عندهم من المظلمة وهي أن التاج إسحاق ضمن دكاكين العطر وأفرد دكاناً لبيع النشا فلا تباع بغيرها وأفرد دكاناً لبيع الأشربة فلا تباع بغيرها وجعل ذلك وقفا على الخانكاه الناصرية بسرياقوس. فرسم بإبطال ذلك وأطلق للناس البيع حيث أحبوا وكتب مرسوم بإبطال ذلك. وفي مستهل ذي الحجة: عوفي علم الدين عبد الله بن زنبور وخلع عليه بعد ما أقام أربعين يوماً مريضاً تصدق فيها بثلاثين ألف درهم وأفرج عن جماعة من المسجونين. وفيه كتب الموفق ناظر الدولة أوراق بما استجد على الدولة من وفاة السلطان الناصر محمد بن قلاوون إلى المحرم سنة خمسين وسبعمائة فكانت جملة ما أنعم به وأقطع من بلاد الصعيد وبلاد الوجه البحري وبلاد الفيوم وبلاد الملك وأراضي الرزق - للخدام والجواري وغيرهن سبعمائة ألف ألف أردب وألف ألف وستمائة ألف درهم معينة بأسماء أربابها من الأمراء والخدام والنساء وعبرة البلد ومتحصلها وجملة عملها وقرئت على الأمراء ومعظم ذلك بأسمائهم فلم ينطق أحد منهم بشيء. وفيه أبطل الوزير منجك سماط عيد النحر أيضاً. وفيها أبطل ما أحدثه النساء من ملابسهن. وذلك أن الخواتين نساء السلطان وجواريهن أحدثن قمصاناً طوالاً تخب أذيالها على الأرض بأكمام سعة الكم منها ثلاثة أذرع فإذا أرخته الواحدة منهن غطى رجلها وعرف القميص منها فيما بينهن بالبهطلة ومبلغ مصروفه ألف درهم مما فوقها. وتشبه نساء القاهرة بهن في ذلك حتى لم يبق امرأة إلا وقميصها كذلك. فقام الوزير منجك في إبطالها وطلب والي القاهرة ورسم له بقطع أكمام النساء وأخذ ما عليهن. ثم تحدث منجك مع قضاة القضاة بدار العدل يوم الخدمة بحضرة السلطان والأمراء فيما أحدثه النساء من القمصان المذكورة وأن القميص منها مبلغ مصروفه ألف درهم وأنهن أبطلن لبس الإزار البغدادي وأحدثن الإزار الحرير بألف درهم وأن خف المرأة وسرموزتها بخمسمائة درهم. فأفتوه جميعهم بأن هذا من الأمور المحرمة التي يجب منعها فقوي بفتواهم ونزل إلى بيته وبعث أعوانه إلى بيوت أرباب الملهى حيث كان كثير من النساء فهجموا عليهن وأخذوا ما عندهن من ذلك. وكبسوا مناشر الغسالين ودكاكين البابية وأخذوا ما فيها من قمصان النساء وقطعها الوزير منجك. ووكل الوزير مماليكه بالشوارع والطرقات فقطعوا أكمام النساء ونادى في القاهرة ومصر بمنع النساء من لبس ما تقدم ذكره وأنه متى وجدت امرأة عليها شيء مما منع أخرق بها وأخذ ما عليها. واشتد الأمر على النساء وقبض على عدة منهن وأخذت أقمصتهن. ونصبت أخشاب على سور القاهرة بباب زويلة وباب النصر وباب الفتوح وعلق عليها تماثيل معمولة على سور النساء وعليهن القمصان الطوال إرهاباً لهن وتخويفاً. وطلبت الأساكفة ومنعوا من بيع الأخفاف والسراميز المذكورة وأن تعمل كما كانت أولاً تعمل ونودي من باع أزاراً حريراً أخذ جميع ماله للسلطان. فانقطع خروج النساء إلى الأسواق وركوبهن حمير المكارية وإذا وجدت امرأة كشف عن ثيابها. وامتنع الأساكفة من عمل أخفاف النساء وسراميزهن المحدثة وأنكف التجار عن بيع الأزر الحرير وشرائها حتى أنه نودي على إزار حرير بثمانين درهماً فلم يلتفت له أحد فكان هذا من خير ما عمل. وفيه استقر جمال الدين يوسف المرداوي في قضاء الحنابلة بدمشق بعد وفاة علاء الدين علي بن أبي البركات بن عثمان بن أسعد بن المنجا. وفيه استقر نجم الدين محمد الزرعي في قضاء الشافعية بحلب بعد وفاة نجم الدين عبد القاهر بن أبي السفاح. وفيه توقف النيل ثم زاد حتى كان الوفاء في جمادى الآخرة. ثم نقص نحو ثلثي ذراع وبقي على النقص إلى النوروز وهو ستة عشر ذراعاً وإحدى وعشرين أصبعاً. ثم رد النقص وزاد وفيه أضاع الولاة عمل الجسور وباعوا الجراريف حتى غرق كثير من البلاد. ومع ذلك امتدت أيديهم إلى الفلاحين وغرموهم ما لم تجر به عادة فشكي من الولاة للوزير فلم يلتفت لمن شكاهم. ومات فيها من الأعيان شيخ الإقراء شهاب الدين أحمد بن موسى بن موسك بن جكو الهكاري بالقاهرة عن ست وسبعين سنة في ثاني عشر جمادى الأولى. وكتب بخطه كثيراً ودرس القراءات والحديث ومات النحوي شهاب الدين أحمد بن سعد بن محمد بن أحمد النسائي الأندرشي بدمشق وله شرح سيبويه في أربعة أسفار. ومات مكين الدين إبراهيم بن قروينة بعدما ولي استيفاء الصحبة ونظر البيوت ثم ولي نظر الجيش مرتين وصودر ثلاث مرات وأقام بطالاً حتى مات. ومات الأمير أرغون شاه الناصري نائب الشام مذبوحاً في ليلة الخميس رابع عشرى ربيع الأول رباه السلطان الناصر محمد بن قلاوون حتى عمله أمير طبلخاناه رأس نوبة الجمدارية ثم استمر بعد وفاته أستاداراً أمير مائة مقدم ألف فتحكم على المظفر شعبان حتى أخرجه لنيابة صفد وولي بعدها نيابة حلب ثم نيابة الشام. وكان جفيفاً قوي النفس شرس الأخلاق مهاباً جائراً في أحكامه سفاكاً للدماء غليظاً فحاشاً كثير المال. وأصله من بلاد الصين حمل إلى أبو سعيد بن خربندا فأخذه دمشق خواجا بن جوبان ثم ارتجعه أبو سعيد بعد قتل جربان وبعث به إلى مصر هدية ومعه ملكتمر السعيدي. ومات الأمير أرقطاي المنصوري بظاهر حلب وهو متوجه إلى دمشق عن نحو ثمانين سنة في يوم الأربعاء خامس جمادى الأولى. وأصله من مماليك المنصور قلاوون رباه الطواشي فاخر أحسن تربية إلى أن توجه الناصر محمد بن قلاوون إلى الكرك كان معه. فلما عاد إليه ملكه جعله من جملة الأمراء ثم سيره صحبة الأمير تنكز نائب الشام وأوصاه ألا يخرج عن رأيه وأقام عنده مدة. ثم تنكر عليه السلطان الناصر محمد فولاه نيابة حمص مدة سنتين ونصف ثم نقله لنيابة صفد فأقام بها ثماني عشر سنة. وقدم مصر فأقام بها عدة سنين وجرد إلى أياس. ثم ولي نيابة طرابلس ومات الناصر محمد وهو بها. ثم قدم مصر وقبض عليه ثم أفرج عنه وأقام مدة. ثم ولي نيابة حلب ثم طلب إلى مصر فصار رأس الميمنة. ثم ولي نيابة السلطنة نحو سنتين ثم أخرج لنيابة حلب فأقام بها مدة. ثم نقل لنيابة الشام فمات في طريقه لدمشق فدفن بحلب وكان مشكور السيرة. ومات الأمير ألجيبغا المظفري نائب طرابلس موسطاً بدمشق في يوم الإثنين ثامن عشر ربيع وقتل معه أيضاً الأمير أياس وأصله من الأرمن أسلم على يد الناصر محمد ابن قلاون فرقاه حتى عمله شاد العمائر ثم أخرجه إلى الشام ثم أحضره غرلو وتنقل إلى أن صار شاد الدواوين. ثم صار حاجباً بدمشق ثم نائباً بصفد ثم نائباً بحلب ثم أميراً بدمشق حتى كان من أمره ما تقدم ذكره. ومات بدمشق الأمير طقتمر الشريفي بعد ما عمي. ومات قاضي الشافعية بحلب نجم الدين عبد القاهر بن عبد الله بن يوسف بن أبي السفاح. وتوفي نجم الدين عبد الرحمن بن يوسف بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن علي القرشي الأصفوني الشافعي بمنى في ثالث عشر ذي الحجة. ودفن بالعلاء وله مختصر الروضة وغيره. وتوفي قاضي القضاة علاء الدين علي بن الفخر عثمان بن إبراهيم بن مصطفى المارديني المعروف بابن التركماني الحنفي في يوم الثلاثاء عاشر المحرم بالقاهرة. وله كتاب الرد النقي في الرد على البيهقي وغيره وله شعر وكان الناصر محمد بن قلاوون يكره منه اجتماعه بالأمراء وكان يغلو في مذهبه غلواً زائداً. وتوفي قاضي الحنابلة بدمشق علاء الدين علي بن الزين أبي البركات بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي عن ثلاث وسبعين سنة. ومات الأمير قطليجا الحموي أصله المملوك المؤيد صاحب حماة فبعثه إلى الناصر محمد بن قلاوون وترقى صار من جملة الأمراء. ثم ولي نيابة حماة ونقل إلى نيابة حلب فأقام بها أياماً ومات وكان سيء السيرة. وتوفي قاضي القضاة تقي الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران السعدي الأخنائي المالكي في ليلة الثالث من صفر. ومات الأمير نوغيه البدري والي الفيوم. وماتت خوند بنت الملك الناصر محمد بن قلاوون وهي زوجة الأمير طاز. وتركت مالاً عظيماً أبيع موجودها بباب القلة من القلعة بخمسمائة ألف درهم من جملته قبقاب مرصع بأربعين ألف درهم ثمنها ألف دينار مصرية. ومات علم الدين بن سهلول. كان أبوه كاتباً عند بعض الأمراء فخدم بعده أمير حسين بن جندر ثم ولي الاستيفاء ونظر الدولة شركة للموفق. ثم صودر ولزم بيته وعمر داراً جليلة بحارة زويلة من القاهرة. وفيها قام بتونس أبو العباس الفضل بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن عبد الواحد ابن أبي حفص في ذي القعدة وكان قد قدم إلى تونس السلطان أبو الحسن علي بن أبي سعيد عثمان بن يعقوب بن عبد الحق ملك بني مرين صاحب فاس وملك تونس وإفريقية ثم سار منها للنصف من شوال واستخلف ابنه أبا العباس الفضل فقام أبو العباس المذكور وملك تونس ملك أبيه.
|